عمرو بن العاص داهية العرب: الذي كان إذا رآه عمر بن الخطاب ، قال:
[رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب].
كان عمرو بن العاص دقيقاً قصيراً، لكن كله عقل وذكاء يتوقد.
وجاء عن عمر أنه كان إذا رآه يقول:
[ليس لـأبي عبد الله أن يمشي إلا أميراً].
روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(بنو العاص مؤمنان عمرو وهشام) والحديث هذا صحيح (1) .
تأخر في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه، فرافقه إلى المدينة عثمان بن أبي شيبة ؟
من بني عبد الدار و خالد بن الوليد ، فلما اقتربوا من المدينة ، قال عمرو لهم: دعوني حتى أقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم فإن لي ذنوباً أعتذر منها فتركوه.
فأقبل عمرو، فلما رآه صلى الله عليه وسلم هش وبش في وجهه، وقام له فأجلسه بجانبه.
قال: (يا رسول الله! أريد أن أسلم أبسط يدك لأبايعك.
فبسط يده صلى الله عليه وسلم فقبض عمرو يده.
قال صلى الله عليه وسلم: ما لك يا عمرو ؟
قال: أشترط.
قال: ماذا تشترط؟
قال: أشترط أن يغفر الله لي ذنبي.
قال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما قبله وأن التوبة تجب ما قبلها؟ ).
قال عمرو : فأسلمت، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ملأت عيني بعد الإسلام منه إجلالاً له، والله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه.
فأسلم، وأصبح من دهاة الناس، عظيماً من العظماء، ينفع الله به هذا الدين، ويقود كتائب المسلمين.
وله مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
في ترجمته أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يتألفه في أول أيام الإسلام، فخطب صلى الله عليه وسلم فكان ينظر إلى عمرو ، ولا ينظر إلى الناس يتألفه بالنظر.
قال عمرو : فتوهمت أني أفضل الناس.
فلما انتهت الخطبة قلت: (يا رسول الله من أفضل الناس؟
-ظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيقول: عمرو بن العاص !-.
قال: أبو بكر .
قال: ثم من؟
قال: عمر .
قال: ثم عدد رجالاً، فوددت أن الأرض خسفت بي) (1) .
قال عمرو :
(أرسلني صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتيت لأتهيأ، وهو يتوضأ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أنا لا أريد المال أريد الجهاد في سبيل الله، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: يا عمرو نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح) (1) .
وصح أنه خرج في غزوة، وكان قائداً على أبي بكر و عمر ، وعلى أمثالهما من الصحابة، فأصابته جنابة في ليلة شاتية.
فترك الماء؟
لأنه ما استطاع أن يغتسل به فتيمم وصلى بهم.
فشكوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عمرو أصليت بأصحابك جنباً؟
قال: يا رسول الله إن الله يقول: ((وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا))، يفتي بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
فتبسم صلى الله عليه وسلم وسكت) (1) .
والتبسم عند أهل الحديث: إقرار، فإذا تبسم صلى الله عليه وسلم، وسكت فسكوته: إقرار، يعني: أقره على ما فعل رضي الله عنه وأرضاه.
وفي إسلامه دروس:
أولاً: أن التوبة تهدم ما قبلها من الذنوب والخطايا، ولو كانت كالجبال إذا كانت صادقة نصوحاً، وأن الإسلام يهدم ما قبله من الخطايا فلا يعاتب العبد إذا أحسن على ما فعل في الجاهلية.
الثاني: أن على الداعية أن يتألف القلوب بنظرة أو كلمة حانية.
الثالث: المبايعة بالأيدي، وأنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرابع: حبه صلى الله عليه وسلم وما كان له من منزلة في قلوب الصحابة.
الخامس: أن الناس يوزنون بميزان قوله سبحانه وتعالى: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)).
السادس: أن الإنسان يقدر ببلائه في الإسلام.
السابع: أن الدهاء يستخدم لإعلاء كلمة الله، ولا بأس به، وإذا استخدم لإضرار المسلمين فهو خبث ونكاية ونفاق، والعياذ بالله.